فصل: فتنة السلطان مسعود مع داود واجتماع داود للراشد للحرب ومقتل الراشد.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.خلافة المقتفي.

ولما قطعت خطبة الراشد استشار السلطان مسعود أعيان بغداد فيمن يوليه فأشاروا بمحمد بن المستظهر فقدم إليهم بعمل محضر في خلع الراشد وذكروا ما ارتكبه من أخذ الأموال ومن الأفعال القادحة في الإمامة وختموا آخر المحضر بأن من هذه صفته لا يصلح أن يكون إماما وحضر القاضي أبو طاهر بن الكرخي فشهدوا عنده بذلك وحكم بخلعه ونفذه القضاة الآخرون وكان قاضي القضاة غائبا عند زنكي بالموصل وحضر السلطان دار الخلافة ومعه الوزير شرف الدين الزينبي وصاحب المخزن ابن العسقلاني وأحضر أبو عبد الله بن المستظهر فدخل إليه السلطان والوزير واستخلفاه ثم أدخلوا الأمراء وأرباب المناصب والقضاة والفقهاء فبايعوه ثامن عشر ذي الحجة ولقبوه المقتفي واستوزر شرف الدين علي بن طراد الزينبي وبعث كتاب الحكم بخلع الراشد إلى الآفاق وأحضر قاضي القضاة أبا القاسم علي بن الحسين فأعاده إلى منصبه وكمال الدين حمزة بن طلحة صاحب المخزن كذلك.

.فتنة السلطان مسعود مع داود واجتماع داود للراشد للحرب ومقتل الراشد.

ولما بويع للمقتفي والسلطان مسعود ببغداد وبعث عساكره بطلب الملك داود فلقيه عند مراغة فانهزم داود وملك قراسنقر أذربيجان ثم قصد داود خوزستان واجتمع عليه من عساكر التركمان وغيرهم نحو عشرة آلاف مقاتل وحاصر تستر وكان السلطان سلجوق شاه بواسط بعث إلى أخيه مسعود يستنجده فأنجده بالعساكر وسار إلى تستر فقاتله داود وهزمه والسلطان مسعود مقيما ببغداد مخافة أن يقصد الراشد العراق من الموصل وكان قد بعث لزنكي فخطب للمقتفي في رجب سنة إحدى وثلاثين وسار الراشد من الموصل فلما بلغ خبر مسيره إلى السلطان مسعود أذن للعسكر في العود إلى بلادهم وانصرف صدقة بن دبيس صاحب الحلة بعد أن زوجه ابنته ثم قدم على السلطان مسعود جماعة الأمراء الذين كانوا مع الملك داود مثل البقش السلامي وبرسق بن برسق صاحب تستر وسنقر خمارتكين شحنة همذان فرضي عنهم وولي البقش شحنة ببغداد فظلم الناس وعسفهم ولما فارق الراشد زنكي من الموصل سار إلى أذربيجان وانتهى إلى مراغة وكان بوزابة وعبد الرحمن طغرلبك صاحب خلخال والملك داود ابن السلطان محمود خائفين من السلطان مسعود فاجتمعوا إلى منكبرس صاحب فارس وتعاهدوا على بيعة داود وأن يردوا الراشد إلى الخلافة فأجابهم الراشد إلى ذلك وبلغ الخبر إلى السلطان فسار من بغداد في شعبان سنة اثنتين وثلاثين وبلغهم قبل وصوله وصول الراشد إليهم فقاتلهم بخوزستان فانهزموا وأسر منكبرس صاحب فارس فقتله السلطان مسعود صبرا وافترقت عساكره للنهب وفي طلب المنهزمين ورآه بوزابة وعبد الرحمن طغرلبك في قل من الجنود فحملوا عليه وقتل بوزابة جماعة من الأمراء منهم صدقة بن دبيس وابن قراسنقر الأتابك صاحب أذربيجان وعنتر بن أبي العسكر وغيرهم كان قبض عليهم لأول الهزيمة وأمسكهم عنده فلما بلغه قتل منكبرس قتلهم جميعا وانصرف العسكران منهزمين وقصد مسعود أذربيجان وداود همذان وجاء إليه الراشد بعد الواقعة وأشار بوزابة وكان كبير القوم بمسيرهم فسار بهم إلى فارس فملكها وأضافها إلى خوزستان وسار سلجوق شاه ابن السلطان مسعود ليملكها فدافعه عنها البقش الشحنة ومطر الخادم أمير الحاج وثار العيارون أيام تلك الحرب وعظم الهرج ببغداد ورحل الناس عنها إلى البلاد فلما انصرف سلجوق شاه واستقر البقش الشحنة فتك فيهم بالقتل والصلب ولما قتل صدقة بن دبيس ولى السلطان على الحلة محمدا أخاه وجعل معه مهلهلا أخا عنتر بن أبي العسكر يدبره ولما وصل الراشد والملك داود إلى خوزستان مع الأمراء على ما ذكرناه وملكوا فارس ساروا إلى العراق ومعهم خوارزم شاه فلما قاربوا الجزيرة خرج السلطان مسعود لمدافعتهم فافترقوا ومضى الملك داود إلى فارس وخوارزم شاه إلى بلاده وبقي الراشد وحده فسار إلى أصبهان فوثب عليه في طريقه نفر من الخراسانية الذين كانوا في خدمته فقتلوه في القيلولة خامس عشر رمضان سنة اثنتين وثلاثين ودفن بشهرستان ظاهر أصبهان وعظم أمر هذه الفتنة واختلفت الأحوال والمواسم وانقطعت كسوة الكعبة في هذه السنة من دار الخلافة من قبل السلاطين حتى قام بكسوتها تاجر فارسي من المترددين إلى الهند أنفق فيها ثمانية عشر ألف دينار مصرية وكثر الهرج من العيارين حتى ركب زعماؤهم الخيول وجمعوا الجموع وتستر الوالي ببغداد بلباس ابن أخيه سراويل الفتوة عن زعيمهم ليدخل في جملتهم وحتى هم زعيمهم بنقش اسمه في سكة بانبار فحاول الشحنة والوزير على قتله فقتل ونسب أمر العيارين إلى البقش الشحنة لما أحدث من الظلم والعسف فقبض عليه السلطان مسعود وحبسه بتكريت عند مجاهد الدين بهروز ثم أمر بقتله فقتل ثم قدم السلطان مسعود في ربيع سنة ثلاث وثلاثين في الشتاء وكان يشتي بالعراق ويصيف بالجبال فلما قدم أزال المكوس وكتب بذلك في الألواح فنصبت في الأسواق وعلى أبواب الجامع ورفع عن العامة نزول الجند عليهم فكثر الدعاء له والثناء عليه.